يبيّن مسح أجراه مركز أكورد لدى أبناء الشبيبة الإسرائيليّين، والذي نُشر هنا مؤخّرًا، أنّ %51 من أبناء الشبيبة اليهود يشعرون بالكراهية تجاه العرب، و%33 من أبناء الشبيبة العرب يشعرون بالكراهية تجاه اليهود. صورة الواقع محبطة، فإذا كان أبناء الشبيبة، وهم مستقبلنا، يشعرون على هذا النحو، فهذا يعني أنّنا لا نستطيع أن نأمل خيرًا، أليس كذلك؟

ليس بالضبط. على ضوء الأزمة الأمنيّة، الإنسانيّة، الديمقراطيّة والاجتماعيّة الأشد التي شهدتها الدولة، حيث يشعر أبناء الشبيبة بالتهديد وغياب الأمان في العالم المحيط بهم، توقّعنا أن تكون المعطيات أسوأ من ذلك. يصعب أحيانًا الانتباه لذلك، ولكنّ المجتمع الإسرائيليّ، اليهودّي والعربي، يبدي قدرًا عاليًا من المرونة بعدم انجراره للعنف بين اليهود والعرب بعد السابع من أكتوبر.

يبيّن المسح أيضًا أنّ ثلثيّ أبناء الشبيبة اليهود والعرب معنيّون بتحسين العلاقات بين المجموعتين، ولكن %30 من الشبيبة اليهوديّة و%46 من الشبيبة العربيّة فقط يؤمنون بأنّ التحسّن قابل للتحقيق. هذه الفجوة بين “المنشود” و”القابل للتحقيق” هو تحديدًا الفرصة التي يجب علينا استغلالها.

المؤشّر الأهم والأوضح لتوجّه أيّ شخص إسرائيليّ، في أيّ سنّ، نحو قيم الديمقراطيّة والمساواة، هو موقفه تجاه أبناء المجتمع الآخر الذي يعيش بجواره، سواء كان يهوديًا أو عربيًّا. لذلك، إذا قمنا بتربية الأجيال الصغيرة على المساواة من خلال الشرخ الأعمق القائم في المجتمع الإسرائيليّ، الشرخ بين اليهود والعرب، سنطوّر لديهم الوعي لأهمية الديمقراطيّة والمساواة في مواضيع أخرى أيضًا، والقدرة على التعايش مع حالة التوتّر الشديد في حياة المواطنين اليهود والعرب في هذه البلاد، في واقع الاحتلال والحرب المتطرّفة والمروعة.

لذلك، من المهم أن نتطرّق إلى ما يحتاجه الصِغار لتربيتهم على قيم المجتمع المشترك في إسرائيل. الإجابة: ليس دروس التربية المدنيّة في المدرسة، لأنّنا لا نستطيع إلقاء المسؤوليّة كلّها على عاتق المعلّمين فقط. هناك ثلاثة مبادئ تربويّة من شأنها دعم هذا النوع من التربية الذي نسعى لتعزيزه في فترة الحرب:

الأهالي كقدوة: عالم البالغين في إسرائيل انهار تقريبًا من منظور الشبيبة في الوقت الحاليّ. في المجتمع اليهوديّ، يؤدّي العديد من الأهالي الخدمة الاحتياطيّة، بينما يوجّه الأهالي في المجتمع العربيّ أبناءهم لعدم التحدّث أو التعبير عن رأيهم لكيلا يتورّطوا. مشاعر الخوف والرعب المبرّرة تنتقل للأطفال، ولا توجد تقريبًا أيّ حدود للغة والعبارات التي يسمعونها منّا. يرى أبناء الشبيبة أنّ روتين الحياة مشوّش وأنّ أهاليهم يعيشون صراعًا، وهم يتأثّرون بذلك.

الأعراف الاجتماعيّة: مع كلّ الاحترام لحرية التعبير، إلّا أن التابوهات المفروضة في مواضيع معيّنة وحدود الحوار مهمّة جدًا في الحيّز العام. يرى أبناء الشبيبة أنّه عندما يطلب منّا الكبار أن نكون منصفين وصادقين- يتفّوه رجال شرطة مهمّون، أعضاء كنيست، وزراء ورؤساء حكومة- بعبارات عنصريّة ومليئة بالكراهية. في السنوات الأخيرة، خاصةً منذ السابع من أكتوبر، لا توجد تابوهات. وزير يدعو لإبادة الأطفال، رئيس الحكومة يستخدم لغة عنيفة ضد مواطنين لا يدعمونه ويشوّه سمعة عائلات مكلومة. ولكننا في الوقت نفسه، نحمل للأطفال والشبيبة رسالة مزدوجة: العنصريّة محظورة لكم، ولكنه مسموح بها للوزراء ورؤساء الحكومات.

المبدأ الثالث هو حيّز الخطأ الآمن: لا يمكن للتربية أن تتحقّق بدون حيّز آمن، حيث يجوز للأولاد والبنات ارتكاب أخطاء والإدراك أنّه يمكننا استيضاح نوايا الطرف الأخير بعمق قبل توجيه الاتهامات. هذه مهارات علينا التدرّب عليها في سنّ صغيرة. الفتيان والفتيات الخائفون، الذين لا يجرؤون على قول رأيهم، أو الذين يخشون إبداء رحمة إنسانيّة لكيلا يعتبرونهم خونة، لا يستطيعون فهم أنفسهم وتطوير مجموعة قيم ومواقف خاصة بهم.

لذلك، علينا التداخل في جهاز التربية والتعليم والتأثير على سياساتها، وفي الوقت نفسه، التركيز على التربية نفسها، في الأطر الرسميّة التي تفتح أبوابها أمام مؤسّسات المجتمع البدنيّ وفي التعليم اللامنهاجيّ أيضًا. يجب تزويد المعلّمين والمعلّمات، المربيات والمرشدات بالأدوات اللازمة للتربية للمساواة والديمقراطيّة. يجب التداخل في الحقل بشكل منتظم ومباشر. هناك حاجة لأهالٍ ومواطنين واعين. لا توجد طرق ملتوية، لا توجد طرق مختصرة.

خلف الجدار، استثمر اليمين المتطرّف كثيرًا في مؤسّساته ومؤسّساتنا التعليميّة، خاصة بواسطة السيطرة على ميزانيّات التعليم الرسميّ المخصّصة لجميع مواطني إسرائيل، في وقت ابتعدنا فيه عن العمل في الحقل، وركّزنا جلّ جهودنا في تناول الخطاب العام، الحملات وبلورة السياسات. ولكن يتوجّب علينا الآن العمل على مستويين: التربية ميدانيًا في الحقل، والتداخل في جهاز التربية والتعليم. العمل مع المدارس والمربّين، خلق بيئة تعترف بحالة الحرب والخوف التي نعيشها، ولكنّها تتيح المجال للشبيبة لارتكاب أخطاء وطرح أسئلة. يجب أيضًا إقناع أحزاب اليسار والمركز بوجوب خوض نضال من أجل وزارة التربية والتعليم بنفس حماسة الأحزاب اليمينيّة التي أدركت دورها في تصميم الدولة.

إذا كان أكثر من ثلثي أبناء الشبيبة في إسرائيل معنيّين بتحسين العلاقات بين اليهود والعرب، فهذا يعني أنّهم يعترفون بأنّ العرب واليهود سيعيشون معًا دومًا في هذه البلاد. إن لم يؤمن عدد كبير منهم بقابلية تحقيق ذلك، هذا يعني أنهم يخاطبوننا ويقولون لنا: أنتم من أوصلتمونا إلى هذا الوضع. لقد ربينا أبناءنا وسط العنف والجريمة، علينا أن نزوّدهم أيضًا بالأدوات اللازمة للتحرّر من هذا الوضع.

المقالة في صحيفة هآرتس- هنا.