القيّمة على المعرض:
جنان شريف حلبي

المعرض هو ثمرة مسيرة مشوقة وملهمة قطعها أبناء الشبيبة معًا. مسيرة قادتهم إلى أقاصي هذه البلاد وإلى قلب المجتمع الإسرائيلي. من محميّة الحولة في الشمال وحتى الصحراء جنوبًا، من بيوت وبلدات كل واحد وواحدة فيهم، وصولًا إلى لقاء مشترك وتكوينيّ.

من خلال عدسة الكاميرا، يشاركنا أبناء الشبيبة المخاوف، الأحلام، الآمال والشكوك التي تشغلهم. يتناول أبناء الشبيبة قضايا مركّبة مثل الهوية، الانتماء، الأفكار المسبقة والحياة المشتركة، ويديرون حوارًا منفتحًا قائمًا على الاحترام المتبادل.

ما زال برنامج “بعيون أخرى”، الذي بدأ قبل 24 عامًا، يتيح لأبناء الشبيبة، يهود وعرب، فرصة مميّزة للانطلاق في رحلة استكشاف، تواصل وحياة مشتركة عن طريق فن التصوير. المعرض ليس مجرّد إطلالة على عالم أبناء الشبيبة، إنّما أيضًا دعوة واثقة ومؤثّرة لإنشاء مجتمع أفضل، قائم على التسامح، التفاهم والشراكة.

تصوير: جنان حلبي

“الكاميرا أداة مؤثّرة جدًا. أداة شخصيّة تتحوّل مع مرور الوقت إلى عضو إضافيّ في الجسم، استمرارية للعين التي ترى وتربط بين الواقع والوعي الداخليّ”.

طريقة تصوّرنا للواقع والعالم المحيط بنا تُحدّد من قبل عناصر خارجيّة، تربيتنا، الإعلام والخطاب العام والاجتماعيّ في المجتمع الذي نعيش فيه. هذا التصوّر يحدّ من قدرتنا على أن نرى ما يكمن وراء القوالب المترسّخة لدينا، الأشبه بـ “سجن للأفكار”، سلاسل تمنع كل واحد وواحدة فينا من رؤية الواقع من وجهات نظر وزوايا مختلفة.

قد يشكّل الفن يشكّل أداة مهمّة للتعمق في النفس البشريّة، لتحرير الوعي من هذه التصوّرات والأفكار المسبقة، لإتاحة المجال لوجهة نظر أخرى، تدراس أفكار جديدة، الانكشاف على ثقافات أخرى والتعرّف إلى العالم المحيط بنا من وجهات نظر عديدة في نفس الوقت. قال برنارد شو “أنت تستخدم المرآة لترى وجهك، والفن لترى روحك”. الكاميرا أداة مؤثّرة جدًا. أداة شخصيّة تتحوّل مع مرور الوقت إلى عضو إضافيّ في الجسم، استمراريّة للعين التي ترى وتربط بين الواقع والوعي الداخليّ. استخدام الكاميرا يتيح المجال لأبناء الشبيبة لتدارس الواقع بطريقة مختلفة: خلق الإطار أحادي البعد يتطلّب نظرة أعمق للواقع ثلاثيّ الأبعاد. خلق الإطار المجمّد يتطلّب فهمَا عميقًا للواقع المتحرّك أمامنا.

المسيرة التي قطعها أبناء الشبيبة، اليهود والعرب، لبناء معرض “سجن الأفكار” أوصلتهم إلى أقاصي البلاد وإلى قلب المجتمع الإسرائيليّ. من بحيرة الحولة في الشمال، إلى الصحراء جنوبًا وحتى بيوت وبلدات كلّ من المشاركات. إنّها رحلة تعلّم واكتشاف من قلب تجربة شخصيّة ذاتيّة، في إطار مجموعة تشقّ معًا طريقًا نحو بناء هوية مشتركة، أو على الأقل الاعتراف بهوية الآخر، خلق رابط إنساني وطريق نحو حياة مشتركة. في بحيرة الحولة، تأمّلنا الطبيعة والعصافير التي تستريح عند البحيرة في موسم الهجرة. تناولنا موضوع الانضمام لمجموعة كبيرة تكمن قوتها في وحدتها، ولكنّها تعيش بتناغم مع البيئة والطبيعة، التعايش والعيش المشترك لمجموعات صغيرة في حيّز طبيعيّ قادر على احتوائنا جميعًا. طرحنا أيضًا أسئلة عن الترحال والهجرة، عن الانسيابية والحركة وعن التقاط تعقيدات الحياة بصورة واحدة.

في رحلتنا إلى الجنوب، ابتعدنا قليلًا عن الحداثة، عن ضوضاء الخلفيّة في البيت، القرية والمدينة، عن ضوضاء الخلفية في النشرة الإخباريّة وبيئتنا الاجتماعيّة. هذا الانفصال يتيح المجال لأفراد المجموعة للتواصل مع بعضهم البعض ومع أنفسهم، مع أقل قدر ممكن من المؤثّرات الخارجيّة. كاميرات الطلاب استكشفت الأرض والطبيعة الساكنة، السماء وحركة النجوم. إلى جانب الدرس التقنيّ حول استخدام الكاميرا في بيئة بسيطة ومركبّة في آن واحد، تعلّم المشاركون أيضًا الاعتماد على أنفسهم وعلى أفراد المجموعة. الزيارات المتبادلة إلى منازل الأصدقاء كشفت أبناء الشبيبة على ثقافة عرفوها سابقًا من خلال وكلاء ثقافيّين وشركات خارجيّة فقط، وذلك بغية إتاحة وجهة نظر جديدة بمعزل عن القوالب النمطيّة والأفكار المسبقة.

“سجن الأفكار” يلخّص رحلة تواصل بين الشعوب، بين جيل المستقبل الذي يجب أن يبني هنا مستقبلًا أفضل وصحيًّا أكثر، وقيادة حياة مشتركة يسودها السلام والأخوة. في هذه الرحلة، رافقت الكاميرا المشاركين، وكانت هذه الأداة بمثابة مفتاح يفتح أبواب السجن ويفك السلاسل التي تقيّد تصوّراتنا ووجهات نظرنا.

يسعدني تقديم الأعمال الرائعة والمميّزة لأفراد المجموعة، شبيبة نوعيّة ومبدئيّة أبدت استعدادها التام لأخذ دور في هذه المسيرة.

تصوير: جنان حلبي